تكلمت في مقالات سابقة عن أن حقيقة القرآن تبشر
بالمسيحية الحقيقية. وقلتُ بأن المسيحية الحقيقية هي هي اليهودية الحقيقية
هي هي الإسلام الحقيقي هي هي دين الحقيقة. أي أن العهد القديم بالفهم
الصحيح المناسب لأسلوبه هو هو العهد الجديد من الكتاب المقدس بالفهم الصحيح
المناسب لأسلوبه ومفاهيمه هو هو القرآن بالفهم الصحيح المناسب لأسلوبه.
فمنطق العهد القديم مختلف اختلاف واضح عن منطق العهد الجديد، لكنه يتشابه نوعاً ما مع منطق القرآن، وإن كان يختلف عنه أيضاً. ولذلك يستدعي كل منهم طريقة مناسبة لفهمه.
وهذا المفهوم الذي قررته، وإن كنتُ قد توصلتُ إليه بالتأمل الهادئ، إلا أني وجدت ما يشبهه في أحد الفلسفات وهي الفلسفة الخالدة أو ال perennial philosophy، وهي فلسفة حديثة نوعاً ما. وضع اللبنات الأولى لها الفيلسوف Rene Guenon في بديات القرن العشرين، ثم سار على دربه فلاسفة وروحانيون آخرون مثل:Ananda Coomaraswamy, Frithjof Schuon, Huston Smith, Martin Lings والفيلسوف الإيراني حسين نصر. ويُطلق على المتبنين للفلسفة الخالدة أيضاً الإرثويين أو ال Tradtionalists.هذه المدرسة الفلسفية حديثة نوعاً ما، تعود للقرن ال20 وال 21، وإن كان لها جذور في التصوف الإسلامي عند العظيم محي الدين بن عربي.
إذاً القرآن بالفهم الصحيح هو هو الكتاب المقدس بالفهم الصحيح. وقد أجاد إلى حد كبير التيار التصوفي في كل ديانة في فهم كتابه المقدس. فالتصوف الإسلامي والعرفان والكابالا والحسيدية والتصوف المسيحي أجادوا إلى حد كبير في فهم كتبهم المقدسة.
وفي تتبعي لآيات القرآن، والمبادئ الكلية العامة للقرآن، وجدتُّ توافقاً واتفاقاً تاماً بين ما تظهره آي القرآن من معاني، وبين المبادئ المسيحية الصحيحة.
وما وصلت إليه من فهم لبعض آي القرآن وصلت إليه مستخدماً المنطق ولا شئ غير المنطق، بل إني لم أنتقل لمستوى المنطق الأعلى. بمنطق أرِسطو سترون كيف أن القرآن مصدق للكتاب المقدس بعهديه، القديم والجديد، وكيف أن حقيقة القرآن تبشر بالمسيحية الحقيقية، التي هي دين الحقيقة أو الفلسفة الخالدة أو الحكمة الخالدة.
وسأضرب الآن، في هذا المقال، مثلاً أو مثالين لمبدأ مسيحي أرى أنه من المبادئ الصحيحة، وأنه جزء من مبادئ المسيحية الحقيقية، وهو مبدأ ألوهية المسيح أو تأليه الإنسان أو أن الإنسان إذا حاز الدرجات العليا من الكمال فقد حقق ألوهيته.
المسيحية الأرثودوكسية والكاثوليكية والبروتستانتية تقر بمبدأ التثليث أو ال Trinity وهو أن الله واحد لكنه مثلث الأقانيم، لكن لا نقول ثلاثة آلهة مختلفة الجوهر. فكل أقنوم من الأقانيم الثلاثة يُطلق عليه الله، لكن لا يُطلق عليه إله، الله وليس إله، فنقول الله الآب، الله الإبن، الله الروح القدس، لكن لا نقول الإله الآب، الإله الإبن، الإله الروح القدس.
بينما تقر المسيحية الآريوسية بألوهية المسيح لكن بطريقة معينة، وهي أنه إله لكنه ليس الله، فالآريوسية موحدة غير تثليثية.
ما يهمنا هنا هو أنهم في المسيحية التثليثية كما في المسيحية الآريوسية يطلقون على المسيح أنه الله أو إله، ومبدأ تأليه الإنسان من مبادئ المسيحية الحقيقية أو الفلسفة الخالدة أو دين الحقيقة. ولا نعني بتأليه الإنسان أنه صار أو سيصير غير محدود، فالإنسان سيظل هو الإنسان يأكل ويشرب ويتغوط ويمرض، بل نعني أنه حاز كل صفات الكمال فصار شبيهاً بالآلهة أو صار شبيهاً بالله.
فالقضية الآن أن المسيح أُطلق عليه الله أو إله، أيْ لفظ الله أُطلق على المسيح، فهل هناك في القرآن ما يؤيد ويدعم هذا المبدأ؟!، هل هناك آية أو اثنين أو ثلاثة في القرآن تقر بألوهية المسيح أو تقول بأن المسيح يُطلق عليه لفظ الله؟!.
لحسن الحظ وجدتُّ ثلاث آيات في القرآن، تقر صراحةً، وفق مبادئ الإستدلال المنطقي الأرِسطي، بالمنطق الأرِسطي، تقر صراحةً بأن عيسى ابن مريم أو يسوع الناصري يُطلق عليه لفظ الله.
هذه الآيات الثلاث، اثنتان منهم متشابهتان إلى حد ما، والآية الثالثة مختلفة عنهما في وجه الإستدلال.
الآيتان المتشابهتان هما آية 52 من سورة آل عمران، آية 14[آخر آية] من سورة الصف. الآية الثالثة هي الآية 171 من سورة النساء.
وسوف نرى أن القضية والمسألة هي قضية منطق ولغة، فالقرآن جعل من مسألة اللغة كأنها مباراة شيقة، فمن انضبطت لغته انضبط عقله. والقرآن قد جاء إلى العرب لعلهم يعقلون، [إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون] 2-يوسف، [إنا جعلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون] 3-الزخرف.
نبدأ بآية آل عمران، حيث يقول الحق:‘ فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله[1] قال الحواريون نحن أنصار الله[2] آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون" 52-آل عمران. ما يهمنا في الآية هو عبارة: ‘ من أنصاري إلى الله[1] قال الحواريون نحن أنصار الله[2] ’. هذه العبارة أو هذا المقطع من الآية هو محور كلامنا واستنتاجنا واستدلالنا. وسوف نرى أن القضية هي قضية بنية لغوية، بناء لغوي، منطق ولغة.
في العبارة هنا اثنين الله، الله[1] والله[2]، الله الآب والله المسيح!!. كيف هذا؟!....
أقول:
في كلام عيسى للحواريين قال ‘من أنصاري إلى الله[1]’....أنصاري أنا عيسى إلى الله...بياء المتكلم، فكان المتوقع أن يكون الجواب من الحواريين: ‘نحن أنصارك إلى الله’...بكاف الخطاب: أنصارك.......أنصارك.......إلى الله، وليس ‘نحن أنصار الله’.
طَبْ، ما المشكلة في: ‘ نحن أنصار الله ’؟!
أقول، بمنتهى البساطة، لفظ الجلالة الله في عبارة....نحن أنصار الله.....حلّ محل كاف الخطاب، التي كان من المفترض أن تُكتب، أيْ:
نحن أنصار الله[2] = نحن أنصارك
الله[2] = ك
ك = عيسى
إذاً الله[2] = عيسى
وعلى هذا يكون في العبارة لفظين محذوفين، يتم تقديرهم، وهما: إلى الله....نحن أنصار الله[2] إلى الله[1]. فيكون تقدير العبارة هكذا: ‘ من أنصاري إلى الله[1] قال الحواريون نحن أنصار الله[2] إلى الله[1] ’ ......نحن أنصار الله الإبن إلى الله الآب.
وكما رأينا أن القضية لغوية، تلاعب بالألفاظ بغرض زيادة انتباهنا، ربنا يريدنا أن نصحصح، نستفيق. وأنا قد نبهت في مقالاتي أصول فهم القرآن إلى ضرورة وزن العبارات والألفاظ جيداً، لذا فكل من يتعامل مع القرآن عليه أن يكون حذراً من الفخاخ والمطبات اللغوية والمنطقية.
من أنصاري إلى الله[1]....نحن أنصارك إلى الله[1]
من أنصاري إلى الله[1]....نحن أنصار الله[2] إلى الله[1]
هذا وقد سألت أحد مواقع الإفتاء الشهيرة، لا أحب ذكر إسمه لئلا يكون ذلك تشهيراً به، سألتُ ذلك الموقع عن هاتين الآيتين في سورة آل عمران وفي سورة الصف، وقلتُ لهم فهمي وتفسيري للآيتين، وهو أنه يوجد اثنين الله في الآيتين، الله الآب والله الإبن، وبعثتُ إليهم بشرحي للعبارة فماذا كان ردهم؟!
كان ردهم أن قولي هذا غريب، وكيف يأتي القرآن بما يوافق العقائد التي جاء لينقضها، فقولي هذا غريب، لم يأت به أحد من قبل، هكذا قالوا.
ثم فتشوا في كتب التفسير لعلهم يجدون تفسيراً التفت إلى ملاحظتي التي أبديتها في وزن العبارة، فلم يجدوا تفسيراً لاحظ هذه الملاحظة، ملاحظة كاف الخطاب. بحثوا وفتشوا، فلم يجدوا، لا ابن كثير ولا القرطبي ولا الطبري ولا النسفي ولا الكشاف [الزمخشري] ولا الميزان ولا التحرير والتنوير[الطاهر ابن عاشور] ولا الشعراوي ولا ولا ولا. بحثوا وفتشوا فلم يجدوا، اللهم إلا ثلاث مفسرين غير مشهورين، وهم: أ- أبو العباس البسيلي في التقييد الكبير....ب- ابن عرفة في تفسيره....ج- أبو زهرة في زهرة التفاسير.
وسوف آتي بالنصوص للمفسرين الثلاثة كما هي، منقولة من موقع الإفتاء الشهير:
وقال أبو العباس البسيلي في التقييد الكبير: (نحن أنصار الله..) فيه سؤال، وهو أن الجواب باعتبار الفَهْم لم يطابق السؤال، وإنما تحصل المطابقة لو قال: "نحن أنصارك إلى الله". والجواب: أن هذا أبلغ؛ لأنه يفيد أنهم أنصاره، وزيادة اعتصامهم بالله، ويدل عليه قولهم (آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون) أي حصّلنا الإيمان، واشهد بأنا معتصمون بشرائعه. اه
وقال ابن عرفة في تفسيره: قول الحواريون: (نحن أنصار الله) بالإضافة، أبلغ من طلب عيسى منهم، ومعناه: نحن أنصار الله لك، أو مع خلانك، ولو قالوا: نحن أنصارك إلى الله؛ لكان مفهومه أنهم لا ينصرون غيره إلى الله.اه
وقال أبو زهرة في زهرة التفاسير: أجاب أولئك الحواريون عيسى عليه السلام عندما أخذ يبحث عن النصراء: (نحن أنصار الله) وهم بذلك بينوا اهتداءهم لأمرين:
-أولهما: أنهم علموا أنه يتكلم عن الله تعالى، وأنه رسول أمين؛ ولذلك اعتبروا إجابة دعوته هي من إجابة دعوة الله، وأنهم إذا كانوا نصراءه فهم نصراء الله تعالى؛ ولذا قالوا: نحن أنصار الله ولم يقولوا: نحن أنصارك.
-الأمر الثاني:...........................اه
إلى هنا انتهى كلام موقع الإفتاء الشهير، ويلاحظ أن من عبر جيداً عن الإشكالية هو أبو العباس البسيلي، المفسر غير المشهور، الذي ربما لم يسمع عنه أحد من قبل. وأنهم عللوا بتعليلات لم يستدلوا عليها.
وأحمد الله أنهم وجدوا من التفت إلى هذه الملاحظة. أحمد الله أنهم، في موقع الإفتاء، الشهير، وجدوا ما يدعمني.
الآية الثانية هي الآية 14 من سورة الصف: ‘يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين’ 14- الصف.
تقريباً، نفس المفهوم من العبارة هنا هو نفسه المفهوم من عبارة آل عمران، لاتحاد المنطوق، منطوق العبارتين: من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله.
وكما قلتُ بأن ألوهية المسيح لا تعني أنه صار غير محدود، بل تعني أنه حاز صفات الكمال؛ عِزّة، كرم، مغفرة، رحمة، حكمة، قدوسية، كبرياء، إرادة؛ إلى غير ذلك من صفات الكمال. أما المحدودية واللا محدودية فلا يوصفان بكمال أو نقص، بل هما من دواعي الرتبة الوجودية. وقد قلنا بأن الوجود رتبتين فقط لا ثالث لهما، هما: 1- رتبة إلهية ، 2- رتبة خَلْقية ، والرتبة الإلهية من عدة مستويات: أ- مستوى الأحدية ، ب- مستوى الواحدية (وهو بداية الكثرة) ، ج- مستوى الوَحْدية ، والرتبة الخَلْقية هي البشر......والبشر هم ظلال لمستوى الواحدية. الله الأحد، الذي نتوجه إليه بقلوبنا والذي نتوجه إليه بالدعاء، يمثل مستوى الأحدية، ثم هو بعد ذلك له صورة في كل مستوى من مستويات الوجود، الإلهية والخلقية. والألوهة ذكور وإناث في كل مستوياتها؛ أحدية، واحدية، وَحْدية؛ كما أن الإنسانية ذكور وإناث.
هذا هو لاهوت الحقيقة.
إذاً فألوهية المسيح لا تعني أنه صار غير محدود، بل تعني أنه حاز صفات الكمال فصار شبيهاً بالله الآب، فمن رآه فكأنه رأى الله.
ولا يصح الإستدلال بمعجزات المسيح على ألوهيته، فهو ليس إله لأنه يخرق العادة بمعجزة، مع أن خرقه للعادة كان بإذن الله. بل هو إله لأنه عزيز حكيم غفور رحيم ودود بسيط مريد حليم قدوس إلى غير ذلك من صفات الكمال التي هي إنسانية وإلهية، تتشارك فيها الإنسانية مع الإلهية. فكما يقول الصوفية: ( لا يوجد اختلاف نوع بل هو اختلاف مقدار )، فالإله هو إنسان كامل غير محدود، والإنسان الكامل هو إله محدود. فأنا لا أقول بألوهية إنسان واحد، بل أقول بألوهية الإنسانية بأكملها، شريطة أن تحقق ألوهيتها بتحقيق كمالها الأخلاقي.
الآية الثالثة التي من خلال المنطق يمكننا أن نستدل منها على إطلاق لفظ الله على المسيح هي الآية 171 من سورة النساء، وهي قول الحق: ‘ يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً’ النساء-171.
العبارة التي تهمنا، في الوقت الحالي، في الآية، هي قوله تعالى: ‘ ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله’. فوفق كلامنا العادي نقول مثلاً: ( لا تقل على أبي خليل إلا الحق إنما إبراهيم رجل بار )، هذا في كلامنا المعتاد الذي نتخاطب به في أحاديثنا اليومية، كلٌّ حسب لغته ولهجته. ونطق عبارة أبي خليل، إبراهيم بتلك الكيفية موافق، لحسن الحظ، للمنطق السليم. في الشق الأول من جملة ( لا تقل على...................إنما...............) نأتي باللقب، وفي الشق الثاني نصرح بالإسم:
أبو خليل................إبراهيم
الله..........................المسيح
وهكذا ففي الآية اثنين الله، ‘ ولا تقولوا على الله [المسيح] إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله [الآب]’. وكما قلتُ، هذا موافق لما نتخاطب به في أحاديثنا المعتادة اليومية.
في حالة واحدة فقط تكون لفظة الله في جملة ولا تقولوا على الله إلا الحق لا تعني المسيح، وهي إذا كان في الآية قلْب ( تغيير في ترتيب الكلمات ) كما في قوله تعالى ( كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ) 35-غافر. فهنا في الآية: على كل قلبِ = على قلب كل.....بالمثل يحتمل أن يكون هناك قلب في الآية 171 من سورة النساء، على هذا الوجه: على الله إلى = الله إلا على.........فيكون:
ولا تقولوا على الله إلا الحق = ولا تقولوا الله إلا على الحق
والله الحق عند الصوفية هو ما يساوي في المسيحية الله الآب.
فهناك الله الحق والله الرحمن.......‘ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّا مّا تدعوا فله الأسماء الحسنى ’ 110-الإسراء. لماذا لم يقل: [قل ادعوه الله أو الرحمن أيا ما تدعوه فله الأسماء الحسني] إذا كانت يدعوا بمعنى ( يُطلق اسم ) كما في قوله تعالى: ‘ ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ’. وإذا كانت يدعوا من (الدعاء)، بمعنى {الصلاة لغوياً} فلماذا لم يقل {قل ادعوا الله أو الرحمن أيّا مّا تدعوه فله الأسماء الحسنى}.
إذاً عبارة {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} هي عبارة متشابهة، ظنية الدلالة. والأرجح فيها أنها تتحدث عن إلهين، إله يُدعى الله، وإله آخر يُدعى الرحمن.
لتوضيح هذا المبدأ اللاهوتي أكثر وبطريقة أوضح ننظر في سورة الحشر، في آخر آيتين في السورة، نجده يقول في الآية قبل الأخيرة: {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس أل...أل...أل...العزيز...أل...أل} 23ـالحشر. ثم نجده في الآية الأخيرة يقول: {هو الله الخالق أل...أل........وهو العزيز أل...} 24ـالحشر. لماذا كرر صفة {العزيز} مرتين في آيتين متتاليتين مع {هو الله}، ومع {هو الله}؟!!!!!!.
هذا بمنتهى البساطة، لأنه يتحدث عن إلهين وليس إله واحد.
في الواقع، آخر ثلاث آيات من سورة الحشر تتحدث عن ثلاثة آلهة وليس إله واحد، أو إلهين.
وهكذا فإن الرتبة الإلهية عدة مستويات. 1-مستوى الأحد {الله}، 2-ومستوى الكثرة: {آلهة = الأسماء الإلهية}، {والأعيان الثابتة}.
والأحد الذي هو الله يوجد صور له في مستوى الكثرة، فيوجد الله الإسم الإلهي، ويوجد الله العين الثابتة، حتى في الرتبة الخَلْقية يوجد بشر على صورة الله الأحد.
الله الأحد = الله الآب = الله الحق = الحق
ملحوظة مهمة: مستوى الكثرة في الرتبة الإلهية، بشقيه: أ- الأسماء الإلهية، ب- الأعيان الثابتة، هو ضرورة وجودية تفسر الكثرة الصفاتية في عالم الخَلْق، أي الأنماط البشرية.
والرتبة الخَلْقية أيْ عالَم الخَلْق هي البشر، بمنتهى البساطة.
هذا هو لاهوت الحقيقة.
ولاهوت الحقيقة يمكن استنباطه من الكتاب المقدس، كما يمكن استنباطه من القرآن. كما يمكن استنباطه أيضاً من الفيدات الهندوسية. وهو موجود بمنتهى الوضوح في الفيدات الهندوسية.
وكما قلنا فإن القرآن مصدق للكتاب المقدس. وقد ذكرنا مثالاً لمبدأ من مبادئ دين الحقيقة، أقره الكتاب المقدس وأيده القرآن، وهو أن المسيح، بل كل إنسان كامل، يُطلق عليه الله أو إله....وهذا مبدأ تأليه الإنسان.
ففي الكتاب المقدس يُقال للمسيح أرنا الآب وكفانا فيقول المسيح: {أنا معكم زماناً هذا مدته ولم تعرفني يا فيلبس!، الذي رآني فقد رآى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب؟} يوحنا إصحاح 14 عدد 8،9. ومعلوم أن المسيح على صورة الله، ومع ذلك لم يحسب نفسه للحظة أنه مساويا لله، انظر كورنثوس الثانية إصحاح 4 عدد 4، وانظر كولوسي إصحاح 1 عدد 15.
ثم يأتي القرآن مصدقاً للكتاب المقدس، فيطلق لفظ الله على المسيح كما رأينا في آية 52-آل عمران و14-الصف و171-النساء.
وقد توصلتُ إلى ما توصلتُ إليه باستخدام المنطق العادي، منطق أرِسطو، حتى إنني لم أنتقل إلى المنطق الأعلى.
في مقالات تالية سنذكر مبادئ أخرى من مبادئ الحقيقة، أقرها الكتاب المقدس وأيدها القرآن.
أرجو ألا أكون قد أطلت، وشكراً.
فمنطق العهد القديم مختلف اختلاف واضح عن منطق العهد الجديد، لكنه يتشابه نوعاً ما مع منطق القرآن، وإن كان يختلف عنه أيضاً. ولذلك يستدعي كل منهم طريقة مناسبة لفهمه.
وهذا المفهوم الذي قررته، وإن كنتُ قد توصلتُ إليه بالتأمل الهادئ، إلا أني وجدت ما يشبهه في أحد الفلسفات وهي الفلسفة الخالدة أو ال perennial philosophy، وهي فلسفة حديثة نوعاً ما. وضع اللبنات الأولى لها الفيلسوف Rene Guenon في بديات القرن العشرين، ثم سار على دربه فلاسفة وروحانيون آخرون مثل:Ananda Coomaraswamy, Frithjof Schuon, Huston Smith, Martin Lings والفيلسوف الإيراني حسين نصر. ويُطلق على المتبنين للفلسفة الخالدة أيضاً الإرثويين أو ال Tradtionalists.هذه المدرسة الفلسفية حديثة نوعاً ما، تعود للقرن ال20 وال 21، وإن كان لها جذور في التصوف الإسلامي عند العظيم محي الدين بن عربي.
إذاً القرآن بالفهم الصحيح هو هو الكتاب المقدس بالفهم الصحيح. وقد أجاد إلى حد كبير التيار التصوفي في كل ديانة في فهم كتابه المقدس. فالتصوف الإسلامي والعرفان والكابالا والحسيدية والتصوف المسيحي أجادوا إلى حد كبير في فهم كتبهم المقدسة.
وفي تتبعي لآيات القرآن، والمبادئ الكلية العامة للقرآن، وجدتُّ توافقاً واتفاقاً تاماً بين ما تظهره آي القرآن من معاني، وبين المبادئ المسيحية الصحيحة.
وما وصلت إليه من فهم لبعض آي القرآن وصلت إليه مستخدماً المنطق ولا شئ غير المنطق، بل إني لم أنتقل لمستوى المنطق الأعلى. بمنطق أرِسطو سترون كيف أن القرآن مصدق للكتاب المقدس بعهديه، القديم والجديد، وكيف أن حقيقة القرآن تبشر بالمسيحية الحقيقية، التي هي دين الحقيقة أو الفلسفة الخالدة أو الحكمة الخالدة.
وسأضرب الآن، في هذا المقال، مثلاً أو مثالين لمبدأ مسيحي أرى أنه من المبادئ الصحيحة، وأنه جزء من مبادئ المسيحية الحقيقية، وهو مبدأ ألوهية المسيح أو تأليه الإنسان أو أن الإنسان إذا حاز الدرجات العليا من الكمال فقد حقق ألوهيته.
المسيحية الأرثودوكسية والكاثوليكية والبروتستانتية تقر بمبدأ التثليث أو ال Trinity وهو أن الله واحد لكنه مثلث الأقانيم، لكن لا نقول ثلاثة آلهة مختلفة الجوهر. فكل أقنوم من الأقانيم الثلاثة يُطلق عليه الله، لكن لا يُطلق عليه إله، الله وليس إله، فنقول الله الآب، الله الإبن، الله الروح القدس، لكن لا نقول الإله الآب، الإله الإبن، الإله الروح القدس.
بينما تقر المسيحية الآريوسية بألوهية المسيح لكن بطريقة معينة، وهي أنه إله لكنه ليس الله، فالآريوسية موحدة غير تثليثية.
ما يهمنا هنا هو أنهم في المسيحية التثليثية كما في المسيحية الآريوسية يطلقون على المسيح أنه الله أو إله، ومبدأ تأليه الإنسان من مبادئ المسيحية الحقيقية أو الفلسفة الخالدة أو دين الحقيقة. ولا نعني بتأليه الإنسان أنه صار أو سيصير غير محدود، فالإنسان سيظل هو الإنسان يأكل ويشرب ويتغوط ويمرض، بل نعني أنه حاز كل صفات الكمال فصار شبيهاً بالآلهة أو صار شبيهاً بالله.
فالقضية الآن أن المسيح أُطلق عليه الله أو إله، أيْ لفظ الله أُطلق على المسيح، فهل هناك في القرآن ما يؤيد ويدعم هذا المبدأ؟!، هل هناك آية أو اثنين أو ثلاثة في القرآن تقر بألوهية المسيح أو تقول بأن المسيح يُطلق عليه لفظ الله؟!.
لحسن الحظ وجدتُّ ثلاث آيات في القرآن، تقر صراحةً، وفق مبادئ الإستدلال المنطقي الأرِسطي، بالمنطق الأرِسطي، تقر صراحةً بأن عيسى ابن مريم أو يسوع الناصري يُطلق عليه لفظ الله.
هذه الآيات الثلاث، اثنتان منهم متشابهتان إلى حد ما، والآية الثالثة مختلفة عنهما في وجه الإستدلال.
الآيتان المتشابهتان هما آية 52 من سورة آل عمران، آية 14[آخر آية] من سورة الصف. الآية الثالثة هي الآية 171 من سورة النساء.
وسوف نرى أن القضية والمسألة هي قضية منطق ولغة، فالقرآن جعل من مسألة اللغة كأنها مباراة شيقة، فمن انضبطت لغته انضبط عقله. والقرآن قد جاء إلى العرب لعلهم يعقلون، [إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون] 2-يوسف، [إنا جعلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون] 3-الزخرف.
نبدأ بآية آل عمران، حيث يقول الحق:‘ فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله[1] قال الحواريون نحن أنصار الله[2] آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون" 52-آل عمران. ما يهمنا في الآية هو عبارة: ‘ من أنصاري إلى الله[1] قال الحواريون نحن أنصار الله[2] ’. هذه العبارة أو هذا المقطع من الآية هو محور كلامنا واستنتاجنا واستدلالنا. وسوف نرى أن القضية هي قضية بنية لغوية، بناء لغوي، منطق ولغة.
في العبارة هنا اثنين الله، الله[1] والله[2]، الله الآب والله المسيح!!. كيف هذا؟!....
أقول:
في كلام عيسى للحواريين قال ‘من أنصاري إلى الله[1]’....أنصاري أنا عيسى إلى الله...بياء المتكلم، فكان المتوقع أن يكون الجواب من الحواريين: ‘نحن أنصارك إلى الله’...بكاف الخطاب: أنصارك.......أنصارك.......إلى الله، وليس ‘نحن أنصار الله’.
طَبْ، ما المشكلة في: ‘ نحن أنصار الله ’؟!
أقول، بمنتهى البساطة، لفظ الجلالة الله في عبارة....نحن أنصار الله.....حلّ محل كاف الخطاب، التي كان من المفترض أن تُكتب، أيْ:
نحن أنصار الله[2] = نحن أنصارك
الله[2] = ك
ك = عيسى
إذاً الله[2] = عيسى
وعلى هذا يكون في العبارة لفظين محذوفين، يتم تقديرهم، وهما: إلى الله....نحن أنصار الله[2] إلى الله[1]. فيكون تقدير العبارة هكذا: ‘ من أنصاري إلى الله[1] قال الحواريون نحن أنصار الله[2] إلى الله[1] ’ ......نحن أنصار الله الإبن إلى الله الآب.
وكما رأينا أن القضية لغوية، تلاعب بالألفاظ بغرض زيادة انتباهنا، ربنا يريدنا أن نصحصح، نستفيق. وأنا قد نبهت في مقالاتي أصول فهم القرآن إلى ضرورة وزن العبارات والألفاظ جيداً، لذا فكل من يتعامل مع القرآن عليه أن يكون حذراً من الفخاخ والمطبات اللغوية والمنطقية.
من أنصاري إلى الله[1]....نحن أنصارك إلى الله[1]
من أنصاري إلى الله[1]....نحن أنصار الله[2] إلى الله[1]
هذا وقد سألت أحد مواقع الإفتاء الشهيرة، لا أحب ذكر إسمه لئلا يكون ذلك تشهيراً به، سألتُ ذلك الموقع عن هاتين الآيتين في سورة آل عمران وفي سورة الصف، وقلتُ لهم فهمي وتفسيري للآيتين، وهو أنه يوجد اثنين الله في الآيتين، الله الآب والله الإبن، وبعثتُ إليهم بشرحي للعبارة فماذا كان ردهم؟!
كان ردهم أن قولي هذا غريب، وكيف يأتي القرآن بما يوافق العقائد التي جاء لينقضها، فقولي هذا غريب، لم يأت به أحد من قبل، هكذا قالوا.
ثم فتشوا في كتب التفسير لعلهم يجدون تفسيراً التفت إلى ملاحظتي التي أبديتها في وزن العبارة، فلم يجدوا تفسيراً لاحظ هذه الملاحظة، ملاحظة كاف الخطاب. بحثوا وفتشوا، فلم يجدوا، لا ابن كثير ولا القرطبي ولا الطبري ولا النسفي ولا الكشاف [الزمخشري] ولا الميزان ولا التحرير والتنوير[الطاهر ابن عاشور] ولا الشعراوي ولا ولا ولا. بحثوا وفتشوا فلم يجدوا، اللهم إلا ثلاث مفسرين غير مشهورين، وهم: أ- أبو العباس البسيلي في التقييد الكبير....ب- ابن عرفة في تفسيره....ج- أبو زهرة في زهرة التفاسير.
وسوف آتي بالنصوص للمفسرين الثلاثة كما هي، منقولة من موقع الإفتاء الشهير:
وقال أبو العباس البسيلي في التقييد الكبير: (نحن أنصار الله..) فيه سؤال، وهو أن الجواب باعتبار الفَهْم لم يطابق السؤال، وإنما تحصل المطابقة لو قال: "نحن أنصارك إلى الله". والجواب: أن هذا أبلغ؛ لأنه يفيد أنهم أنصاره، وزيادة اعتصامهم بالله، ويدل عليه قولهم (آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون) أي حصّلنا الإيمان، واشهد بأنا معتصمون بشرائعه. اه
وقال ابن عرفة في تفسيره: قول الحواريون: (نحن أنصار الله) بالإضافة، أبلغ من طلب عيسى منهم، ومعناه: نحن أنصار الله لك، أو مع خلانك، ولو قالوا: نحن أنصارك إلى الله؛ لكان مفهومه أنهم لا ينصرون غيره إلى الله.اه
وقال أبو زهرة في زهرة التفاسير: أجاب أولئك الحواريون عيسى عليه السلام عندما أخذ يبحث عن النصراء: (نحن أنصار الله) وهم بذلك بينوا اهتداءهم لأمرين:
-أولهما: أنهم علموا أنه يتكلم عن الله تعالى، وأنه رسول أمين؛ ولذلك اعتبروا إجابة دعوته هي من إجابة دعوة الله، وأنهم إذا كانوا نصراءه فهم نصراء الله تعالى؛ ولذا قالوا: نحن أنصار الله ولم يقولوا: نحن أنصارك.
-الأمر الثاني:...........................اه
إلى هنا انتهى كلام موقع الإفتاء الشهير، ويلاحظ أن من عبر جيداً عن الإشكالية هو أبو العباس البسيلي، المفسر غير المشهور، الذي ربما لم يسمع عنه أحد من قبل. وأنهم عللوا بتعليلات لم يستدلوا عليها.
وأحمد الله أنهم وجدوا من التفت إلى هذه الملاحظة. أحمد الله أنهم، في موقع الإفتاء، الشهير، وجدوا ما يدعمني.
الآية الثانية هي الآية 14 من سورة الصف: ‘يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين’ 14- الصف.
تقريباً، نفس المفهوم من العبارة هنا هو نفسه المفهوم من عبارة آل عمران، لاتحاد المنطوق، منطوق العبارتين: من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله.
وكما قلتُ بأن ألوهية المسيح لا تعني أنه صار غير محدود، بل تعني أنه حاز صفات الكمال؛ عِزّة، كرم، مغفرة، رحمة، حكمة، قدوسية، كبرياء، إرادة؛ إلى غير ذلك من صفات الكمال. أما المحدودية واللا محدودية فلا يوصفان بكمال أو نقص، بل هما من دواعي الرتبة الوجودية. وقد قلنا بأن الوجود رتبتين فقط لا ثالث لهما، هما: 1- رتبة إلهية ، 2- رتبة خَلْقية ، والرتبة الإلهية من عدة مستويات: أ- مستوى الأحدية ، ب- مستوى الواحدية (وهو بداية الكثرة) ، ج- مستوى الوَحْدية ، والرتبة الخَلْقية هي البشر......والبشر هم ظلال لمستوى الواحدية. الله الأحد، الذي نتوجه إليه بقلوبنا والذي نتوجه إليه بالدعاء، يمثل مستوى الأحدية، ثم هو بعد ذلك له صورة في كل مستوى من مستويات الوجود، الإلهية والخلقية. والألوهة ذكور وإناث في كل مستوياتها؛ أحدية، واحدية، وَحْدية؛ كما أن الإنسانية ذكور وإناث.
هذا هو لاهوت الحقيقة.
إذاً فألوهية المسيح لا تعني أنه صار غير محدود، بل تعني أنه حاز صفات الكمال فصار شبيهاً بالله الآب، فمن رآه فكأنه رأى الله.
ولا يصح الإستدلال بمعجزات المسيح على ألوهيته، فهو ليس إله لأنه يخرق العادة بمعجزة، مع أن خرقه للعادة كان بإذن الله. بل هو إله لأنه عزيز حكيم غفور رحيم ودود بسيط مريد حليم قدوس إلى غير ذلك من صفات الكمال التي هي إنسانية وإلهية، تتشارك فيها الإنسانية مع الإلهية. فكما يقول الصوفية: ( لا يوجد اختلاف نوع بل هو اختلاف مقدار )، فالإله هو إنسان كامل غير محدود، والإنسان الكامل هو إله محدود. فأنا لا أقول بألوهية إنسان واحد، بل أقول بألوهية الإنسانية بأكملها، شريطة أن تحقق ألوهيتها بتحقيق كمالها الأخلاقي.
الآية الثالثة التي من خلال المنطق يمكننا أن نستدل منها على إطلاق لفظ الله على المسيح هي الآية 171 من سورة النساء، وهي قول الحق: ‘ يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً’ النساء-171.
العبارة التي تهمنا، في الوقت الحالي، في الآية، هي قوله تعالى: ‘ ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله’. فوفق كلامنا العادي نقول مثلاً: ( لا تقل على أبي خليل إلا الحق إنما إبراهيم رجل بار )، هذا في كلامنا المعتاد الذي نتخاطب به في أحاديثنا اليومية، كلٌّ حسب لغته ولهجته. ونطق عبارة أبي خليل، إبراهيم بتلك الكيفية موافق، لحسن الحظ، للمنطق السليم. في الشق الأول من جملة ( لا تقل على...................إنما...............) نأتي باللقب، وفي الشق الثاني نصرح بالإسم:
أبو خليل................إبراهيم
الله..........................المسيح
وهكذا ففي الآية اثنين الله، ‘ ولا تقولوا على الله [المسيح] إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله [الآب]’. وكما قلتُ، هذا موافق لما نتخاطب به في أحاديثنا المعتادة اليومية.
في حالة واحدة فقط تكون لفظة الله في جملة ولا تقولوا على الله إلا الحق لا تعني المسيح، وهي إذا كان في الآية قلْب ( تغيير في ترتيب الكلمات ) كما في قوله تعالى ( كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ) 35-غافر. فهنا في الآية: على كل قلبِ = على قلب كل.....بالمثل يحتمل أن يكون هناك قلب في الآية 171 من سورة النساء، على هذا الوجه: على الله إلى = الله إلا على.........فيكون:
ولا تقولوا على الله إلا الحق = ولا تقولوا الله إلا على الحق
والله الحق عند الصوفية هو ما يساوي في المسيحية الله الآب.
فهناك الله الحق والله الرحمن.......‘ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّا مّا تدعوا فله الأسماء الحسنى ’ 110-الإسراء. لماذا لم يقل: [قل ادعوه الله أو الرحمن أيا ما تدعوه فله الأسماء الحسني] إذا كانت يدعوا بمعنى ( يُطلق اسم ) كما في قوله تعالى: ‘ ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ’. وإذا كانت يدعوا من (الدعاء)، بمعنى {الصلاة لغوياً} فلماذا لم يقل {قل ادعوا الله أو الرحمن أيّا مّا تدعوه فله الأسماء الحسنى}.
إذاً عبارة {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} هي عبارة متشابهة، ظنية الدلالة. والأرجح فيها أنها تتحدث عن إلهين، إله يُدعى الله، وإله آخر يُدعى الرحمن.
لتوضيح هذا المبدأ اللاهوتي أكثر وبطريقة أوضح ننظر في سورة الحشر، في آخر آيتين في السورة، نجده يقول في الآية قبل الأخيرة: {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس أل...أل...أل...العزيز...أل...أل} 23ـالحشر. ثم نجده في الآية الأخيرة يقول: {هو الله الخالق أل...أل........وهو العزيز أل...} 24ـالحشر. لماذا كرر صفة {العزيز} مرتين في آيتين متتاليتين مع {هو الله}، ومع {هو الله}؟!!!!!!.
هذا بمنتهى البساطة، لأنه يتحدث عن إلهين وليس إله واحد.
في الواقع، آخر ثلاث آيات من سورة الحشر تتحدث عن ثلاثة آلهة وليس إله واحد، أو إلهين.
وهكذا فإن الرتبة الإلهية عدة مستويات. 1-مستوى الأحد {الله}، 2-ومستوى الكثرة: {آلهة = الأسماء الإلهية}، {والأعيان الثابتة}.
والأحد الذي هو الله يوجد صور له في مستوى الكثرة، فيوجد الله الإسم الإلهي، ويوجد الله العين الثابتة، حتى في الرتبة الخَلْقية يوجد بشر على صورة الله الأحد.
الله الأحد = الله الآب = الله الحق = الحق
ملحوظة مهمة: مستوى الكثرة في الرتبة الإلهية، بشقيه: أ- الأسماء الإلهية، ب- الأعيان الثابتة، هو ضرورة وجودية تفسر الكثرة الصفاتية في عالم الخَلْق، أي الأنماط البشرية.
والرتبة الخَلْقية أيْ عالَم الخَلْق هي البشر، بمنتهى البساطة.
هذا هو لاهوت الحقيقة.
ولاهوت الحقيقة يمكن استنباطه من الكتاب المقدس، كما يمكن استنباطه من القرآن. كما يمكن استنباطه أيضاً من الفيدات الهندوسية. وهو موجود بمنتهى الوضوح في الفيدات الهندوسية.
وكما قلنا فإن القرآن مصدق للكتاب المقدس. وقد ذكرنا مثالاً لمبدأ من مبادئ دين الحقيقة، أقره الكتاب المقدس وأيده القرآن، وهو أن المسيح، بل كل إنسان كامل، يُطلق عليه الله أو إله....وهذا مبدأ تأليه الإنسان.
ففي الكتاب المقدس يُقال للمسيح أرنا الآب وكفانا فيقول المسيح: {أنا معكم زماناً هذا مدته ولم تعرفني يا فيلبس!، الذي رآني فقد رآى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب؟} يوحنا إصحاح 14 عدد 8،9. ومعلوم أن المسيح على صورة الله، ومع ذلك لم يحسب نفسه للحظة أنه مساويا لله، انظر كورنثوس الثانية إصحاح 4 عدد 4، وانظر كولوسي إصحاح 1 عدد 15.
ثم يأتي القرآن مصدقاً للكتاب المقدس، فيطلق لفظ الله على المسيح كما رأينا في آية 52-آل عمران و14-الصف و171-النساء.
وقد توصلتُ إلى ما توصلتُ إليه باستخدام المنطق العادي، منطق أرِسطو، حتى إنني لم أنتقل إلى المنطق الأعلى.
في مقالات تالية سنذكر مبادئ أخرى من مبادئ الحقيقة، أقرها الكتاب المقدس وأيدها القرآن.
أرجو ألا أكون قد أطلت، وشكراً.
No comments:
Post a Comment