Wednesday, May 2, 2018

أصول فهم القرآن -16- مقدمات صحيحة: التقابل، عوالي الأمور، التكرار و الترادف، المخالفات المنطقية

بسم الله
أصول فهم القرآن-16، تكلمنا في (أصول فهم القرآن-15 ) عن بعض المقدمات الصحيحة، المهمة في طريق فهم القرآن ، تكلمنا عن التكرار و أنه يفيد الشك، تكلمنا عن القصدية، تكلمنا عن العطف بالواو .
و الآن نتكلم عن بعض من المقدمات الصحيحة الأخرى :
التقابل يفيد الترتيب
القرآن يهتم بعوالي الأمور
تكرار نفس الألفاظ لا يفيد الترادف على الدوام
أي مخالفة منطقية تفيد الشك، و التحول من معنى قريب إلى معنى بعيد

التقابل يفيد الترتيب :
1-كقوله تعالى " و ما يستوي الأعمى و البصير و لا الظلمات و لا النور و لا الظل و لا الحرور و ما يستوي الأحياء و لا الأموات " فاطر-19،20،21،22
هنا أعمى يقابل ظلمات يقابل ظل
بصير يقابل نور يقابل حَرُور
لكن في الأحياء و الأموات بدأ بالأحياء، و كان الترتيب يقتضي أن يبدأ بالأموات، فيقول " و ما يستوي الأموات و لا الأحياء، لأنه بدأ ب الاعمى، الظلمات، الظل . و هكذا كان الترتيب يقتضي الإبتداء بالأموات . إذاً هناك سرّ في الآيات 19،20،21،22 من سورة فاطر .

2-قوله تعالى " فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها و إن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب و ساءت مرتفقاً . إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً " الكهف-29،30
هنا في الآيتين قدم أولا الإيمان على الكفر " فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر "، و بالتالي، لاقتضاء الترتيب، كان ينبغي تقديم عاقبة (جزاء) الإيمان على عاقبة (جزاء) الكفر، لكنه خالف الترتيب و قدم جزاء الكفر (الظلم ) على جزاء الإيمان، في قوله تعالى " إنا أعتدنا للظالمين ناراً "، ثم ذكر بعدها " إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً " . كان ينبغي العكس . و المخالفة للترتيب عند التقابل تقتضي أن هناك سراً في الآيتين في سورة الكهف .
و قد جاء القرآن بالترتيب في كثير من المواضع، و خالف الترتيب في بعض المواضع . و بناء على مبدأ القصدية، فإن مخالفة الترتيب تعني أن هناك سراً، يجب البحث وراءه و اكتشافه .

القرآن يهتم بعوالي الأمور، و يعطي كل أمر ما يستحقه :
بناء على هذه المقدمة، فحينما يناقش القرآن مسألة تافهة بمعيار البشر فهذا يعني أنه فيها سر، فربما لا يقصد الظاهر من هذه المسألة .
و عندما يتغافل عن قضية خطيرة و لا يذكر شئ بشأنها، فهذا يعني أنه ربما لا تكون هذه القضية (المسألة ) بالخطورة التي كنا نتصورها .
أمثلة :
1-قوله تعالى " و الخيل و البغال و الحمير لتركبوها و زينة "النحل-8، قضية تافهة، إذاً ربما لا يقصد القرآن الظاهر، بل يقصد معانٍ أخرى كامنة، نبحث عن هذه المعاني حتى ندركها .
2-الصلاة : ذكر الوضوء بجميع أركانه بالتفصيل، و هو فرع عن الصلاة، في قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق و امسحوا برؤوسكم و أرجلكم إلى الكعبين "المائدة-6-لكنه لم يذكر عدد و أسماء و أركان الصلوات في القرآن كله، بل اكتفى بالأمر بإقامة الصلاة في 18 موضع . إذاً ربما كانت الصلاة بالمفهوم الذي نعرفه ليست بذات أهمية كبيرة، ربما يقصد بالصلاة شيئاً آخر غير الصلاة التي نعرفها في الديانة الإسلامية .
3-قوله تعالى " و على الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر و الغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم و إنا لصادقون " الأنعام-146، لماذا يذكر القرآن أمر تشريعي بشأن طائفة دينية سابقة على الإسلام بمثل هذا التفصيل ؟ ما الحاجة لذكره أصلاً ؟، ليس هذا فحسب، لكنه يعقب على نفس الحكم التشريعي للأمة السابقة على الإسلام في سورة أخرى بعدها بعدة أجزاء، حيث يقول في سورة النحل " و على الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل و ما ظلمناهم و لكن كانوا أنفسهم يظلمون " النحل-118-
فَ القرآن يهتم بعوالي الأمور .

تكرار نفس الألفاظ لا يفيد الترادف على الدوام :
مثال
آيتيْ 23،24 من سورة الحشر، يقول الحق " هو الله الذي لا إله إلا هو الملك.........المهيمن العزيز الجبار ......."، ثم يقول في الآية التي تليها " هو الله الخالق البارئ.........وهو العزيز الحكيم "
هنا إما (العزيز) في الآية الأولى لا ترادف (العزيز) في الآية التي تليها، أو الآيتين تتحدثان عن إلهين و ليس إله واحد .

أي مخالفة منطقية تفيد الشك و التحول من معنى قريب إلى معنى بعيد :
أمثلة
1-قوله تعالى حكاية عن سليمان " عُلِّمنا منطق الطير " النمل-16-
لو نطقتَ بلفظة (لغة) و سكتَّ فإنها تعني (اللغة) التي هي من حروف و كلمات مربوطة ببعضها بقواعد نحوية، و التي تستخدم في التواصل، هذا بنسبة 99%،
أما لو نطقتَ بلفظة (منطق) و سكتَّ، فإنها توحي للسامع بأنها (المنطق) الذي هو قواعد التفكير، والذي يُعد مقدمة للفلسفة .
و هكذا لفظة (منطق) بدون أي إضافة لها، تعني (المنطق) بنسبة 90%، لكنها لا تعني (لغة) كمعنى أول يتبادرإلى الذهن،
و هكذا كان من باب أولى أن يقول في الآية " عُلّمنا لغة الطير " بدلاً من " عُلّمنا منطق الطير"، لأن لفظة (لغة) أظهر في الدلالة على المعنى من لفظة (منطق) .
و هكذا فإن ذكر لفظة (منطق) يعني الإنتقال من معنى قريب حيث منطق=لغة، إلى معنى آخر بعيد حيث منطق=المنطق .....منطق=علم المنطق، علم المنطق الذي هو ميزان الفكر، و هكذا فإن علمنا منطق الطير=علمنا ميزان فكر الطير .
و هكذا أيضاً كلمة (طير) تنتقل من معنى قريب إلى معنى آخر بعيد، فربما أطلقت مجازاً على كيانات سامية عاقلة مثل الملائكة .

2-قوله تعالى " الله الذي خلق السماوات..........ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع "السجدة-4-هنا هو يتكلم عن إله، هذا الإله هو الله، حسب منطوق الآية، ونحن في ذهننا أن هذا الإله هو الله، لأنه لا يوجد غيره،
لكن الشفيع هو الوسيط الذي يتوسط بين كيانين أحدهما أدنى و الآخر أعلى، فإذا كان الشفيع،الوسيط،هو الله !!!، إذاً فسيشفع لمن عند من؟!!!، هل سيشفع عند إله آخر ؟!!
و هكذا فإن الآية تقر بوجود إلهين أحدهما يشفع عند الآخر،
و هذا يوافق المفهوم المسيحي عن شفاعة المسيح عند الله الآب في المؤمنين .
و هكذا انتقلنا من معنى قريب لمعنى بعيد، هذا المعنى البعيد هو الصحيح و هو الصواب .
نكمل الكلام عن المقدمات الصحيحة في المقال التالي،
شكراً .

No comments:

Post a Comment