Tuesday, May 1, 2018

أصول فهم القرآن 12....التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي

تكلمنا في (أصول فهم القرآن-11 ) عن المقدمة الفاسدة {العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب}، و قلنا أن العبارة خاطئة في الصياغة و أن الصواب هو أن يقولوا ( العبرة بتخصيص اللفظ في السبب بعد تعميمه في كل زمان)، وقلنا أن المبدأ في حد ذاته فاسد، لماذا ؟ لأنه تاريخية مُقَنَّعة، فَ القائل بهذا المبدأ يستنسخ الزمان و المكان في كل زمان ومكان،فهو بطريقة غير مباشرة يقول القرآن نص تاريخي، فهو لا يَفْرق كثيراً عن القائلين بتاريخية النص القرآني من أمثال بعض العلمانيين ومن شابههم.



الآن ننتقل إلى مقدمة فاسدة أخرى وهي :

قولهم التفسير ينقسم إلى قسمين : تفسير بالمأثور، تفسير بالرأي.


في قولهم التفسير ينقسم إلى قسمين : تفسير بالمأثور، تفسير بالرأي، كالعادة، خطأ في اللفظ و العبارة و المصطلح ثم بعد ذلك خطأ في المبدأ، و بالتالي فمهمتنا هي ضبط الألفاظ و العبارات و المصطلحات ثم ضبط و تصحيح المبدأ.

في قولهم التفسير ينقسم إلى قسمين : تفسير بالمأثور، و تفسير بالرأي، خطأ في بنية العبارة فَ الصواب هو أن يقولوا : مناهج التفسير تنقسم إلى قسمين : منهج التفسير بالمأثور، وإن كان المُفَسِّر بالمأثور ما هو إلا ناقل، ومنهج التفسير بالرأي، و إن كان التفسير بالرأي ما هو إلا اجتهاد، فنقول :منهج نقل المأثور و منهج التفسير بالإجتهاد.

والصواب كما سنرى أنه لا تفسير إلا بالاجتهاد، ثم التفسير بالاجتهاد ينقسم بعد ذلك إلى قسمين،وفق المقرر في كليات أصول الدين،قسم التفسير، جامعة الأزهر، هذين القسمين هما : التفسير التحليلي، و التفسير الموضوعي، فَ الصواب أن يقولوا مناهج التفسير هي منهجين : منهج التفسير التحليلي، ومنهج التفسير الموضوعي، كما سنرى.

ممن قال بأن التفسير ينقسم إلى قسمين : التفسير بالمأثور، و التفسير بالرأي، الأستاذ الدكتور أحمد حسن فرحات في كتابه ( في علوم القرآن-عرض و نقد و تحقيق ) حيث يقول في ص 251 ( من خلال ما قدمناه يتبين لنا أن التفسير ينقسم إلى قسمين رئيسيين هما : التفسير بالمأثور، و التفسير بالرأي. ).

وممن قال أيضاً، الأستاذ الدكتور : سليمان بن صالح القرعاوي في كتابه (مصطلحات علوم القرآن-عرض و تحليل واستدراك ) حيث يقول في ص264 (يقسم العلماء التفسير إلي نوعين رئيسيين وهما : التفسير المأثور، التفسير بالرأي أو الدراية ) فهؤلاء كما رأينا أساتذة دكاترة، ولا يُفَرقون بين التفسير و بين مناهج التفسير.

قلنا إذاً، أن التفسير بالمأثور الصواب أن نقول فيه،منهج نقل المأثور، و إذا كان لمصنف التفسير رأي في ما ينقله من مأثور، كأن يرجح بين رأي و رأي من المأثور،كأن يرجح بين رأي صحابي و صحابي أو صحابي و تابعي أو تابعي وتابعي،أقول:إذا كان للمفسِّر رأي فَ الصواب هو أن نقول : منهج التفسير بنقل المأثور،بدلاً من منهج نقل المأثور، هذا لأن المفسِّركان له اجتهاد وكان له رأي في ما ينقله من تفسير للنبي و الصحابة و التابعين، وقد قلنا في مقال سابق أن تفسير القرآن بالقرآن لا يعد تفسير بالمأثور.

هل كان الصحابة يفسرون بالمأثور عن النبي ؟،أي هل كانوا ينقلون المأثور عن النبي ؟،أم كانوا يجتهدون وفق قواعد اللغة ونحوه ؟ فإن كانوا يجتهدون وفق قواعد اللغة ونحوها فَ الصواب هو أن نقول : منهج نقل المأثور من اجتهاد الصحابة.

هل كان التابعين يفسرون بالمأثور عن الصحابة و النبي ؟،أيْ هل كانوا ينقلون عن النبي و الصحابة ؟ أم كانوا يجتهدون وفق اللغة و مبادئ التفسير، و أسباب التنزيل،لمن يعتقد فيها، فإن كانوا يجتهدون وفق مبادئ اللغة و مبادئ التفسير فَ الأصوب أن نقول : منهج نقل المأثور من اجتهاد التابعين، فيكون الأمر هكذا : منهج نقل المأثور من اجتهاد النبي و الصحابة و التابعين .

اجتهاد الصحابة و التابعين هو رأي الصحابة و التابعين، و بذلك يكون :منهج نقل المأثور من اجتهاد الصحابة و التابعين. هو : منهج نقل رأي الصحابة و التابعين.

هل كان تفسير النبي في ما فسره، وهو لا يتجاوز 1% من القرآن، هل كان باجتهاده وفق قواعد اللغة ومبادئ التفسير ؟ أم كان وحياً من الله ؟ فإن كان باجتهاده كان تفسيراً، و إن كان وحياً من الله،كان نقل للمأثور.

و هكذا نقول : منهج نقل رأي النبي و الصحابة والتابعين.

كل تفسير بالرأي يُعَدّ لمن بعده تفسير بالمأثور، و الصواب أنه لا تفسير بالمأثور،و لا يوجد غير التفسير بالاجتهاد بنوعيه التفسير التحليلي و التفسير الموضوعي،كما ذكرنا سابقاً.

التفسير بالرأي هو تفسير بالإجتهاد وفق مبادئ اللغة و المنطق و التفسير.إذاً هو تفسير بالاجتهاد.

إذاً الصواب أن نقول : منهج التفسير بالاجتهاد، والواقع أنه لا يوجد منهج غيره و هو قسمين، أو نوعين كما أسلفنا،تحليلي و موضوعي.

وصفهم التفسير بالاجتهاد بأنه تفسير بالرأي الغرض منه التنفير من هذا النوع،الذي لا يوجد فعلياً غيره،و التقليل من شأنه،و هذه التقسيمة الجهنمية التي اخترعها هم من يسمون أنفسهم بأهل السنة و الجماعة، أو أهل الحديث.

فَ تشويه المصطلح يؤدي إلى تشويه المصطلح عليه، فَ ينبغي ألا يُبْعِد و يُغْرِب المصطلح عن المعنى اللغوي،فَ إبعاد المصطلح عن اللغة يؤدي إلى التشويه و التشويش،وهو آلة شياطين أهل الحديث ومن شابههم،فمن أمثلة التشويش المتعمد مثلاً عند أهل الحديث قولهم مثلاً :علم الجرح و التعديل، و الصواب وفق مبدئهم أن يقال علم الجرح و العدل، أو الأصوب أن يقال علم التجريح و التعديل، و الأصوب منه أن يقال علم التعديل فقط (علم التعديل ) بدون الجرح أو التجريح.

وعند الأصوليين يوجد مبدأ يسمى الإستصحاب يؤخذ به بعد الكتاب ثم السنة ثم الإجماع ثم القياس، وهو، أي الإستصحاب هو: استدامة اثبات المثبَت أو نفي المنفي، فكان الأولى أن يسموا هذا المبدأ الاستدامة،لا الاستصحاب،حتى نكون قريبين من اللغة، فَ الإبعاد بين المصطلح و اللفظ لغوياً يؤدي إلى الضلال،مثال ذلك : الصلاة هي لغةً الدعاء،فاصطُلِح عليها على أنها (حركات و سكنات وأقوال تبدأ بالتكبير و تنتهي بالتسليم) فَ الإبعاد بين المعنى الأصلي للصلاة و المتعارف عليه في كل أديان ومذاهب العالم،ما عدا الإسلام، وهو الدعاء و الصِّلة وبين المعنى الإصطلاحي في الإسلام يؤدي إلى الضلال.

فنقول منهج التفسير بالاجتهاد لا منهج التفسير بالرأي، لأن أي مفسر بالاجتهاد لم يقل أنه يفسر برأيه وإنما يقول أنه يفسر باجتهاده،و فعلياً لا يوجد غير التفسير بالإجتهاد.

وواضح أن الناقل ليس بمفسر فَ الذي ينقل رأي الصحابة و التابعين ليس بمفسر و إنما هو ناقل، فلا يقال عن ابن كثير و الطبري و القرطبي أنهم مفسرون و إنما هم نقلة.

أرجو ألا أكون قد أطلت، و شكراً.

No comments:

Post a Comment